فصل: 8- القاعدة الثامنة: الوجوب يتعلق بالاستطاعة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.3- القاعدة الثالثة: لا ضرر ولا ضرار:

فلا يجوز لأحد أن يضر غيره ابتداءً.. ولا يجوز له مقابلة الضرر بالضرر على وجه غير مشروع.. ويُمنع الضرر قبل وقوعه بالوسائل المناسبة لمنعه.. ويُرفع الضرر بعد وقوعه بالوسائل التي ترفع أثره، وتمنع تكراره.
فمن اشتهر بالفساد والفجور المتعدي وجب على الإمام حبسه حتى تظهر توبته؛ دفعاً لشره عن البلاد والعباد.
ويُحجر على المفلس لدفع الضرر عن الغرماء، ويُحجر على الصغير والمجنون لدفع الضرر عن أنفسهم، وأباح الله الخيار بأنواعه دفعاً للضرر عن المتبايعين.

.والضرر يُدفع بقدر الإمكان:

فالجهاد في سبيل الله مشروع لإزالة الباطل، ودفع الضرر عن المسلمين، فيجب على القادر لا العاجز، وإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
وأباح الإسلام الشفعة لدفع الضرر المتوقَّع عن الشريك.

.ويُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام:

فيجب الحجر على من يفتي بغير علم، أو يتطبب بجهل، وعلى كل مشعوذ ودجال؛ حفاظاً على دين الناس، وصيانة لأبدانهم وعقولهم وأموالهم.

.ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح:

فيحرم بيع المحرمات كالدخان، والخمور، والمخدرات ونحوها؛ منعاً للمفسدة التي تُلحق الضرر بعقول الناس، وأبدانهم، وأموالهم.
ولا يجوز لأحد أن يتصرف في ملكه بما يُلحق الضرر بغيره، كأن يجعل داره ورشة أو مدبغة؛ دفعاً للضرر عن جاره.
ولا ينكر المنكر إذا ترتب على إنكاره باللسان منكر أعظم منه لقوله سبحانه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [108]} [الأنعام:108].

.4- القاعدة الرابعة: المشقة تجلب التيسير:

فكل أمر يترتب على فعله حرج أو مشقة فإن الإسلام يمنعه أو يخففه، رحمة من الله بعباده.
قال الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78].
وقال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [185]} [البقرة:185].
وَعَنْ أنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا». متفق عليه.

.سماحة الشريعة:

جميع أوامر الله ورسوله سهلة سمحة ميسرة.
فالصلوات خمس في اليوم والليلة.. والزكاة جزء يسير من مال العبد في كل سنة مرة.. والصيام شهر واحد في كل عام.. والحج لا يجب في العمر إلا مرة على المستطيع.. وبقية الواجبات عوارض بحسب أسبابها كالكفارات والنذور ونحوهما.
وقد شرع الله لكثير من الواجبات أسباباً تعين عليها، وتنشِّط على فعلها، كما شرع الاجتماع في الصلوات الخمس، وأوجب الصيام على الجميع في شهر واحد، وكذلك أوجب الحج في العمر مرة.
فالاجتماع يزيل مشقة العبادات، ويولِّد التنافس في أفعال الخير، وينشِّط العاملين، كما جعل الله الثواب العاجل والآجل أكبر معين على فعل الخيرات، وترك المحرمات.
ومع هذه السهولة، إذا عرض للإنسان عذر يُعجزه أو يشق عليه، خفف الله عنه تخفيفاً يناسب حاله.

.أقسام المشقة:

المشقة تنقسم إلى قسمين:

.الأول: المشقة المعتادة:

وهي التي لا ينفك عنها العمل غالباً.. مثل مشقة الوضوء والغسل في وقت البرد.. ومشقة الحج.. ومشقة الجهاد في سبيل الله.. ومشقة الصوم في شدة الحر ونحو ذلك.
فهذه وأمثالها مشقة يسيرة لا تسبب حرجاً للإنسان.

.الثاني: المشقة الجالبة للتيسير:

وهي الطارئة والزائدة على الجهد المعتاد، وهي جميع رخص الشرع وتخفيفاته.
فهذه تقتضي التخفيف، وتجلب التيسير، لرفع الحرج عن الخلق، رحمة من الله بعباده، برفع الآصار والأغلال عنهم.
وهذه المشقة أنواعها كثيرة:
مثل الجمع بين الصلاتين في الحضر عند الحاجة.. والجمع والقصر في السفر.. والفطر في رمضان للمسافر والمريض.. والمسح على الخفين في الحضر والسفر.. والمسح على الجبيرة للمريض.. وصلاة النافلة على الراحلة في السفر حيثما توجهت.. والتيمم عند فقد الماء أو عند المشقة في استعماله.. وصلاة المريض حسب حاله وقدرته.. والتوكيل في الرمي في الحج للعاجز.. والإطعام بدل الصوم للكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه.. وهكذا.

.والضرورات تبيح المحظورات:

فيجوز للمضطر أن يأكل من الميتة أو يشرب الخمر إذا خشي الهلاك حفظاً لنفسه.
ويجوز للإنسان إذا صال عليه مجرم لأخذ ماله، أو قتله، أو انتهاك عرضه أن يدفعه بالأسهل فالأسهل، ولو أدى ذلك إلى قتله، ولا ضمان عليه، ولا إثم عليه.

.والضرورة تُقدّر بقَدْرها:

فالطبيب يجوز له النظر إلى عورة المريض بقدر الحاجة فقط، والمضطر يجوز له الأكل من الميتة والخنزير بقدر ما يدفع عنه الموت فقط، فإن زاد فهو آثم.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [173]} [البقرة:173].

.وكلما ضاق الأمر اتسع، وكلما اتسع ضاق.

فالمريض وسع الله عليه بأن يصلي حسب حاله قاعداً، أو على جنب، أو إيماءً، فإذا شفاه الله صلاها قائماً كاملة كغيره.
والمعسر إذا لم يقدر على السداد يُنظر إلى ميسرة، فإذا يسر الله عليه وجب عليه أداء الدين فوراً... وهكذا.

.5- القاعدة الخامسة: العادة محكمة.

فكل ما تعارف عليه الناس من الأقوال والأفعال، ولم يخالف نصاً شرعياً، وليس له مدلول في الشرع أو اللغة، فإن مرجعه إلى العرف والعادة، وذلك يختلف باختلاف الزمان والمكان.
قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [199]} [الأعراف:199].
وقال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [19]} [النساء:19].
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: إِنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ». متفق عليه.

.حكم العرف:

ينقسم العرف من حيث الحكم إلى قسمين:

.الأول: عرف صحيح:

وهو كل ما تعارف عليه الناس من الأمور التي لا تحل حراماً، ولا تحرم حلالاً كأنواع الكيل، والوزن، والمساحة.

.الثاني: عرف فاسد:

وهو كل ما يخالف نصوص الإسلام وقواعده كتعارف أهل بلد على شرب الخمر، أو أكل الربا، أو سفور النساء، أو سماع الغناء ونحو ذلك.
فهذا وأمثاله عرف فاسد محرم لمخالفته الشرع.

.أقسام العرف:

ينقسم العرف من حيث الصفة إلى قسمين:

.الأول: العرف اللفظي:

وهو أن يُستعمل اللفظ فيما وُضع له في اللغة، وفي غير ما وُضع له كلفظ الدابة، والغائط.
فالدابة في اللغة: اسم لكل ما يدبّ على وجه الأرض، وفي العرف: اسم لذوات الأربع من الحيوان.
والغائط في اللغة: اسم للمكان المنخفض، وفي العرف: اسم لعذرة الإنسان.

.الثاني: العرف العملي:

وهو أن يعتاد الناس على عادات معينة في الأكل والشرب واللبس، وعلى معاملات ومقادير في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك.
مثل تعارف الناس على تقديم الأجرة قبل استيفاء المنفعة في إجارة الأماكن والآلات يومياً، أو أسبوعياً، أو شهرياً، أو سنوياً، وتأخيرها في بعض البلاد، أو استلام بعض الأجرة، وتأخير الباقي إلى استيفاء المنفعة.
وتعارف الناس في بعض البلاد على تقديم مهر الزواج، وفي بعضها على تأخيره، وفي بعضها على تعجيل بعضه، وتأجيل بعضه.. وهكذا.
وتعامل بعض البلاد بالكيل أو الوزن، أو بنقد معين كالريال أو الدولار، أو بمقادير المساحة كالمتر والقدم ونحو ذلك.
فيُرجع في هذا وغيره إلى العرف والعادة في كل بلد في كل حُكم حَكم فيه الشرع ولم يحدده كالكيل، والوزن، والنقد ونحوها.

.والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً:

فالزوج ينفق على زوجته بالقدر المتعارف عليه بين الناس بحسب غناه أو فقره.
وإذا استأجر عاملاً لمدة يوم، أو ركب سيارة إلى مكان كذا، ولم يشارطهما، فإن مدة العمل، ومقدار الأجرة، تتحدد بحسب ما تعارف عليه الناس.

.والكتاب كالخطاب:

فإذا كتب إنسان لآخر كتاباً ببيع أو إجارة ونحوهما صح كما لو تلفظ بذلك.
وإذا كتب لزوجته بالطلاق كتاباً، فإن الطلاق يقع كالنطق به.

.6- القاعدة السادسة: الوسائل لها أحكام المقاصد.

فإذا كان مأموراً بشيء كان مأموراً بما لا يتم إلا به.
فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.. وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون.
وإذا كان منهياً عن شيء كان منهياً عن جميع طرقه ووسائله.
فالوسيلة إلى الواجب واجبة كالمشي إلى صلاة الفريضة، وأداء الحقوق ونحوهما.
والوسيلة إلى المسنون مسنونة كالنافلة من الصلاة والصدقة والحج والعمرة ونحو ذلك.
وكذلك الوسائل إلى الشرك كلها محرمة، فيحرم كل قول وفعل يفضي إليه.
وكذلك الوسائل إلى سائر المعاصي كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر ونحوها كلها محرمة.
والوسيلة إلى المكروه مكروهة.. والوسيلة إلى المباح مباحة.
فالأشياء ثلاثة مقاصد: كالصلاة مثلاً.. ووسائل إليها: كالوضوء والمشي.. ومتممات لها: كرجوعه إلى محله الذي خرج منه.
فالوسائل تعطى أحكام المقاصد، وكذلك المتممات للأعمال تعطى أحكامها كالرجوع من الصلاة، والجهاد، والعمرة، والحج، وعيادة المريض، واتباع الجنازة ونحو ذلك.
فمن خرج من محله للعبادة فهو في عبادة حتى يرجع إلى مقره.
قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [12]} [يس:12].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ». أخرجه مسلم.
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَجُلٌ لا أعْلَمُ رَجُلاً أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ، قال فَقِيلَ لَهُ: أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَاراً تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ. قال: مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى المَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ: «قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ». أخرجه مسلم.

.وكل مباح تَوسّل به إلى ترك واجب، أو فِعْل محرم فهو محرم:

فلا يحل البيع والشراء بعد نداء الجمعة الثاني.. أو إذا خيف فوت الصلاة المكتوبة أو صلاة الجماعة.. أو البيع على من يريد أن يعمل بالسلعة معصية كبيع العنب على من يتخذه خمراً، أو السلاح لأهل الفتنة ونحو ذلك.

.وكل حيلة يتوسل بها إلى ترك واجب أو فعل محرم فهي حرام:

كالحيل على قلب الدَّين على المدين، كأن يدينه مرة أخرى ليوفيه.. وكبيع العينة.. والتحيل على إسقاط شفعة الشفيع بالوقف أو زيادة الثمن.. وقتل الوارث مورِّثه.. وقتل الموصي له وصيَّه.. وعضل الزوج لزوجته لتعطيه المال ليطلقها.
فهذه الحيل كلها حرام.

.والحيل التي يُتوسل بها إلى استخراج الحقوق مباحة بل مأمور بها:

فالإنسان مأمور باستخراج حقه والحق المتعلق به بالطرق الواضحة، والطرق الخفية كما تحيل يوسف عليه السلام بوضع الصاع في رحل أخيه ليبقى عنده كما قال سبحانه: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [76]} [يوسف:76].
وكذلك الحيل التي تَسْلم بها الحقوق والنفوس والأموال كلها مباحة، بل مأمور بها كما خرق الخضر السفينة لتسلم من الملك الظالم الذي يغتصب كل سفينة صالحة تمر عليه... وهكذا.

.7- القاعدة السابعة: الله لا يأمر إلا بما فيه مصلحة، ولا ينهى إلا عن ما فيه مفسدة.

وهذا الأصل شامل لجميع الشريعة، سواء تعلق بالقلوب أو الجوارح، أو بالأصول أو الفروع، أو بحقوق الله أو حقوق عباده.
فكل ما أمر الله ورسوله به كله عدل ومصلحة كالإيمان، والتوحيد، والطاعات.
وكل ما نهى الله ورسوله عنه كله ضرر ومفسدة على القلوب والأبدان، في الدنيا والآخرة كالشرك، والكفر، والمعاصي.
والعدل مصالحه خالصة، والظلم مفاسده خالصة.
والصدق مصالحه خالصة، والكذب مضاره خالصة.. وهكذا.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [90]} [النحل:90].
وقال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [32] قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [33]} [الأعراف:32- 33].

.8- القاعدة الثامنة: الوجوب يتعلق بالاستطاعة.

فلا واجب مع العجز.. ولا محرم مع الضرورة.

.1- يسقط كل واجب عند العجز عنه.

فكل من عجز عن شيء من شروط الصلاة، أو فروضها، أو واجباتها فإنه يسقط عنه، ويصلي بحسب ما يقدر عليه.
ومن عجز عن الصوم لكبر، أو مرض، ولا يرجى برؤه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً، وإن أفطر لسفر، أو مرض يرجى برؤه قضاه إذا زال عذره.
والعاجز عن الحج ببدنه يقيم عنه من يحج عنه، والعاجز عن الحج بماله لا يجب عليه.
قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [16]} [التغابن:16].
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». متفق عليه.